تسجيل الدخول إلى حسابك

السابق: 012345678

غير مسجل إنشاء حساب
محمد مهدي طهرانجي: العالم النووي الإيراني الذي اغتالته إسرائيل في طهران

محمد مهدي طهرانجي اغتالت إسرائيل هذا العالم النووي البارز في طهران يوم 13 يونيو/حزيران 2025.


ترك طهرانجي وراءه إرثًا علميًّا زاخرًا بالإنجازات، إذ يُعدّ من أبرز علماء الفيزياء النووية في إيران ومن الشخصيات الأكاديمية القيادية التي ساهمت في تطوير مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في البلاد. فيما يلي نظرة تفصيلية على مسيرة هذا العالم وإنجازاته العلمية التي جعلته هدفًا للاستخبارات الإسرائيلية.

النشأة والتعليم

وُلد محمد مهدي طهرانجي في العاصمة الإيرانية طهران عام 1965 ونشأ في كنف أسرة متديّنة. تلقّى تعليمه الأساسي والثانوي في مدارس طهران قبل أن ينتقل إلى مرحلة التعليم الجامعي. التحق بجامعة “الشهيد بهشتي” في طهران حيث درس الفيزياء، وحصل منها على درجة البكالوريوس عام 1988 ثم الماجستير في تخصص فيزياء الحالة الصلبة عام 1991. لاحقًا نال درجة الدكتوراه في الفيزياء النظرية من معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا عام 1997، كما أمضى فترة زمالة بحثية في المركز الدولي للفيزياء النظرية (ICTP) في ترييستي بإيطاليا خلال عامي 1996 و1997 لاكتساب أحدث المعارف في . الجدير بالذكر أن عاد لاحقًا إلى جامعته الأم “الشهيد بهشتي” كعضو هيئة تدريس متميز، وترقى في السلك الأكاديمي حتى حصل على درجة الأستاذية الكاملة (بقاعدة الأستاذية 41) وهي أعلى مرتبة علمية في نظام التعليم العالي الإيراني.

المسيرة الأكاديمية والمهنية

انطلق طهرانجي في حياته المهنية أستاذًا وباحثًا في كلية العلوم بجامعة الشهيد بهشتي، وتدرّج في مناصب أكاديمية وإدارية متعددة. شغل في أواخر التسعينيات منصب مساعد التخطيط والشؤون التنفيذية في كلية العلوم بجامعة الشهيد بهشتي (1998-1999)، وكذلك تولّى رئاسة قسم الفيزياء في جامعة “بيام نور” خلال الفترة نفسها. ساهم خلال العقد الأول من الألفية الجديدة في تأسيس عدد من الهيئات والمراكز العلمية في جامعة الشهيد بهشتي، من أبرزها معهد أبحاث الليزر والبلازما وكلية التقنيات الحديثة في الجامعة. كما تولّى مناصب بحثية وإدارية عدة في تلك الفترة، بينها نائب عميد كلية العلوم للدراسات العليا، ومعاون البحث العلمي في معهد أبحاث الليزر، ومدير قطب علوم الفوتونيك (البصريات الإلكترونية) في الجامعة. واشتهر بنشاطه في الجمعيات العلمية، فكان عضوًا مؤسسًا في الجمعية الإيرانية لتقانة النانو وعضوًا في مجلس إدارة جمعية البصريات والفوتونيك الإيرانية، كما عمل كمحكّم علمي للعديد من المجلات الدولية في الفيزياء.

برز محمد مهدي طهرانجي على المستوى الوطني عندما عُيّن رئيسًا لجامعة الشهيد بهشتي، إحدى أرقى جامعات إيران، في الفترة من 2012 حتى 2016. خلال قيادته للجامعة، حققت جامعة الشهيد بهشتي تقدمًا ملحوظًا في تصنيفها الدولي وتم تطوير البنية التحتية البحثية والمختبرات العلمية فيها بشكل كبير. ويُنسب إليه أيضًا إطلاق معهد أبحاث الليزر والبلازما رسميًا ضمن الجامعة، إلى جانب تأسيس كلية التكنولوجيا الحديثة لتعزيز الأبحاث المتقدمة. وبعد انتهاء فترته في جامعة الشهيد بهشتي، استمر طهرانجي في لعب أدوار قيادية في التعليم العالي الإيراني؛ حيث انضم عام 2017 إلى مجلس أمناء جامعة آزاد الإسلامية – أكبر جامعة أهلية في إيران – ثم عُيِّن رئيسًا لجامعة آزاد الإسلامية على مستوى البلاد سنة 2018. في هذا المنصب الأخير أشرف طهرانجي على شبكة واسعة من الفروع الجامعية عبر إيران، وكان أيضًا مشرفًا على فرع جامعة آزاد في محافظة طهران. وبالإضافة إلى مناصبه الجامعية، كان طهرانجي عضوًا في المجلس الأعلى للثورة الثقافية (أعلى هيئة لوضع السياسات الثقافية والتعليمية) منذ عام 2020، ما يعكس مكانته المؤثرة في رسم سياسات العلم والتعليم في إيران.

الإنجازات العلمية والفكرية

تخصص الدكتور طهرانجي في فيزياء المادة المكثفة والنانوفيزياء، مع اهتمام خاص بتقانة الموصلات الفائقة عالية الحرارة والمحاكاة الحاسوبية للمواد والحوسبة الكمية. أثمرت مسيرته البحثية عن إنتاج علمي ثري يتضمن نشر ما يزيد عن 150 بحثًا علميًا في دوريات عالمية محكّمة (مصنفة ضمن قواعد بيانات ISI)، وحصدت هذه الأبحاث أكثر من 3000 استشهاد من باحثين آخرين في مجال الفيزياء. وبلغ عامل التأثير العلمي لطهرانجي (مؤشر H-index) نحو 29 وفقًا لقاعدة بيانات شبكة العلوم، وهو رقم يعكس إنتاجية علمية عالية وتأثيرًا واضحًا في مجاله البحثي. لم يكتفَ طهرانجي بالأبحاث العلمية، بل كان أيضًا صاحب قلم prolific في التأليف والترجمة، حيث ألّف وترجم 12 كتابًا جامعيًا في الفيزياء وتطبيقاتها، منها كتب مرجعية في مقدّمات النانوفیزياء والفيزياء الحاسوبية وموضوعات متقدمة أخرى. وإلى جانب ذلك، سجل 8 اختراعات تقنية في مجالات التقانات المتقدمة، مما يدل على جهوده في تحويل المعرفة العلمية إلى تطبيقات عملية.

حاز الدكتور طهرانجي خلال مسيرته على تقدير رسمي وأكاديمي رفيع. فاختير الأستاذ الجامعي النموذجي على مستوى إيران عام 2010 تقديرًا لتميزه في التدريس والبحث. كما نال وسام الدرجة الأولى للعلوم من رئيس الجمهورية الإسلامية اعترافًا بإسهاماته العلمية الكبيرة. وإلى جانب ذلك، كان عضوًا في اللجنة التخصصية للعلوم الأساسية بمجلس التعليم العالي والبحث (عام 2010) وعضوًا في المجمع العلمي لبيت النخبة الإيراني، مما يؤكد المكانة التي تمتع بها بين نخبة العلماء في البلاد. واشتهر طهرانجي بتواضعه وشغفه بخدمة وطنه علميًا؛ وقد نعته وسائل الإعلام الإيرانية بألقاب تعكس هذا الدور، فوُصف بأنه “سردار ميدان العلم والثقافة” (أي قائد ميدان العلم والثقافة) و**”مجاهد سبيل العلم والحقيقة”** تقديرًا لجهاده الدؤوب في ميادين المعرفة.

الاغتيال وردود الفعل

في فجر يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025، تعرض محمد مهدي طهرانجي لعملية اغتيال إثر غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزله في طهران، ضمن هجمات منسقة شنّتها إسرائيل ذلك اليوم على مواقع متعددة داخل إيران. وأسفرت الضربة عن استشهاد طهرانجي وزوجته مژگان قراویری التي كانت برفقته، بالإضافة إلى عدد من العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين البارزين الذين طالتهم الهجمات نفسها. وقد جاء اغتيال طهرانجي بعد سنوات من تصدر اسمه قوائم الاستهداف الإسرائيلية والأمريكية؛ حيث كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أدرجت اسمه عام 2020 على قائمة العقوبات لدوره المزعوم في البرنامج النووي الإيراني ومشاركته في مشروع “آماد” الهادف لتطوير القدرات النووية الإيرانية في أوائل الألفينات.

أثار نبأ استشهاد الدكتور طهرانجي موجة حزن وغضب في الأوساط العلمية والشعبية داخل إيران. خرجت جنازات حاشدة لتشييع جثمانه وجثامين بقية الشهداء، وشارك عشرات الآلاف من المواطنين وكبار المسؤولين في مراسم تشييع وطنية مهيبة بطهران. ودُفن طهرانجي إلى جانب زوجته في مرقد حضرة عبد العظيم الحسني بمدينة ري جنوب طهران، في احتفاء شعبي ورسمي بذكراه وتضحياته. في أعقاب الاغتيال، أصدر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بيانًا توعّد فيه المعتدين الإسرائيليين بـ«عقاب صارم» على هذه الجريمة، مؤكدًا أن دماء الشهداء العلماء لن تذهب هدرًا. كما أشاد زملاء طهرانجي وتلامذته بإرثه العلمي والأخلاقي؛ فوصفه أحد المسؤولين في جامعة آزاد بأنه عالِم متفانٍ ومدير قدير نجح في مزج العلم بالإيمان وروح الجهاد لرسم نهج جديد في الإدارة الجامعية، مؤكدًا أن اسمه سيظل حيًا في ذاكرة الأوساط العلمية وقلوب أبناء وطنه. بهذه الخسارة الكبيرة، فقدت إيران عالمًا نوويًا رائدًا كان له دور محوري في نهضتها العلمية الحديثة، لكن إنجازات الشهيد الدكتور محمد مهدي طهرانجي ستبقى شاهدة على عطائه وإلهامًا لجيل جديد من العلماء السائرين على خطاه.

0 0 votes
معدل
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

قم بتثبيت تطبيق MerajStudent